عداء الطائرة الورقية



لا أؤمن بالتوصيات في عالم القراءة، لكنني أثق في ذائقة البعض الادبية ، يوم إن مررت صديقتي رواية عداء الطائرة الورقية أمامي عبر الكاميرا في محادثتنا الإلكترونية لم أهتم كثيرا و لم أتبين حتى لون الغلاف ، فقد كانت عيناي غارقة في الدموع وحرارتي تناهز الأربعين ، و تخيلت إن تصرف هند لم يكن إلا محاولة لإفاقتي من المرض ، كما يفعلون مع فاقد الوعي فيثيرون حاسة الشم عنده علّه يستفيق ، بعد عدة أيام نصحني أحد الأصدقاء علي موقع الجود ريدز بنفس الرواية و أضاف إليها رواية أخر لنفس الكاتب ، كان الصديق أمريكي الجنسية مما أثار دهشتي ، كنت أعتقد إن الرواية باللغة العربية لكاتب شاب أسمه خالد حسيني لكنني فوجئت إن الكاتب أفغاني والرواية تدور أحداثها في أفغانستان ، سألت هند في محادثة سريعة عن الرواية فأخبرتني إن بأمكاني استعارتها قبل إن تقرأها و لأنني أعرف معنى شرف القراءة الأولي أسعدني ذلك كثيرا ، فلقراءة الأولى لا يحمل همها سوى الأتقياء كما تقول هند ،
و كأجابة لسؤال أعتيادي علي صفحة الجود ريدز علي موقع الفيس بوك " ماذا تقراء في عطلة نهاية الأسبوع " وضعت أجابتي كالمعتاد " The kite runner"، و إنهالت التعليقات تشيد بالرواية مما أشعرني بالخوف فكثيرا ما حاولت مع كتب وروايات عالمية وجاءت النتيجة مخيبة لأمالي .

لو كنت مثلي لا تعرف شيئا عن الحياة في أفغانستان قبل الغزو السوفيتي وبعده وأثناء حكم الطالبان ، فمرحبا بك في عالم يرسمه لك خالد حسيني ببراعة ، هكذا ببساطة و برفق يضع حسيني أفغانستان علي خريطة أهتمامتك يدخلك بسرده السينمائي داخل المشهد وكأنك جزء منه ، تتسلق الأشجار ، تصعد قمم الجبال، تعدو في الطرقات الترابية وتذهب للأسواق و ربما ولجت إلي دار عرض سينمائي مع أمير وحسن لتشاهد فيلم أمريكيا قديم ، يرسم حسيني شخصيته بحيادية و أنسانية راقية ، هو لا يمنح لأحد أجنحة الملائكة أو رؤوس الشياطين تراك أنت تفعل دون إن تشعر بأن الكاتب يوجهك لتتعاطف مع بطل علي حساب الأخر
أحيانا أراني أشبه أمير حين يؤرقه الذنب ولا يتخلى عن أنانيته و أحيانا أكون حسن هذا الذي في قلبه حب كبير وعطاء لا ينتهي ، تارة ثريا المحبة التي تفعل ما تريد وما يسعدها لكنها تضحي بالكثير أيضا ،
حين ينتهي الجزء الأول من القصة – الأكثر أمتاعا وتشويقا- سترى نفسك وقد رسمت صورة متكاملة لأفغانستان بريشة خالد حسيني وهنا تتسائل هل هي صورة أمينة ؟؟ !! هل هذه حقا أفغانستان التي لا تعرف بعاداتها بتقاليدها أم إن صفحتك البيضاء عنها قد وشمتها صورة حسيني للأبد ، وهل كل الكتاب المصريون يدركون إنهم ينقلون صورة عن المجتمع المصري في أعمالهم ربما لقارئ ما لم يزور أرضها ولن يفعل ..
لا أقصد تجميل الصورة فقط نقلها بأمانة ، أم يجنحوا للإستسهال الذي يقع فيها الكثيرون .

لا يمكن إن تضع عداء الطائرة الورقية كعمل إبداعي إلي جوار أعمال أخري لمجرد إنها تحمل نفس التصنيف "رواية " ، إنك أمام عمل عميق قد يغيرك علي المستوى الإنساني و إلي الأبد ، فأن تخليت عن الظرف المكاني في الرواية فالبشر متشابهون ، و خالد حسيني أحد هؤلاء الذين يجيدون تشريح النفس البشرية و هذا حكم لن يتغير في أعماله التالية .
أعتراف أخير دون كشف لأحداث الرواية لقد وجدتني هناك أقص لزميلاتي القصص بطريقتي و أطيل السرد ، و أفرح بأختلاق الشخوص وبنيل الأحسان مع كل " برافوا أمير جان" كنت أعود لطفولتي ولا أجد في لهو الطفولة شرا ، و كنت هناك أيضا أطير طائرتي الورقية علي أحد شواطيء الأسكندرية و أسعد بالتغلب علي الطائرات الأخري ، التحليق مع طائرة ورقية أشبه بتجربة صوفية لمن عرفها ، وجدتني هناك أيضا أتوق للحظة يمكنني فيها تصحيح ما أقترفت في الماضي ، لكن عندما كنت في لحظات قليلة حسن تمنيت لو لم أجدني هناك المعطاء المحب المتسامح و الضحية ، لا أريد أن يبكي من أجلي أحد كما بكيت أنا من أجل حسن ، بعد كثيرا من التجارب قد يُسعدك أن تكون أنت اللئيم أحيانا ، المتلقي للحب وليس المحب ، أو أقل الأمور ضررا لا المتسامح ولا صاحب الذنب .
عداء الطائرة الورقية ليست مجرد تحليق في الزمن والمكان هو تحليق مع النفس وبالنفس ، إن كنت تخشى التحليق فلا تقربها
ليس هذا نقدا إنما رسالة حب

تعليقات

  1. الابنة فوئشة
    لازلت على عهدى بك فى الكتابة فانا استمتع بما تكتبين تأليفا لك او نقدا لما تقرأين لقد تشوقت لقراءة (عداء الطائرة الورقية) رغم اننى سمعت هنا كثيرا لكن لم تأخذ منى اللهفة لقرائتها الا عندما كتبت انت عنها
    هذا النقد وان دل فانما يدل على حاسة عالية فى التذوق الادبى والنقد الهادف
    لذلك فاننى ادعوك مرة اخرى الى معاودة الكتابة ونشر ماتكتبين
    فكم اشتقنا الى قراءة ما تجود به قريحتك و خيالك الرائع
    مرة اخرى ابنتنا فوئشة برافو .
    سؤال هل اجد لهذه الرواية PDF..........ولا لابد من شرائها او استعارتها كما فعلتى انت ؟
    اخيرا سلام لك مع التمنيات بالنجاح

    ردحذف
  2. شكرا يا ولدي العزيو دائم التشجيع كما عهدتك دوما
    هبعت لحضرتك لينك للرواية

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مــواسم المطــر ...(5) ..قوس المطر