سكــر ♥نبــــــات................... الحلقة الأولي



كطائر أرهقته العواصف وحط أخيرا علي عشه غفوت وما أحصيت كم من الساعات منحني النوم ردائه العصي .فمنذ غادرت هذا الفراش وهذه الوسادة لم أنعم بنوم هادئ كليلتي هذه ...تذكرت أول مرة أغفو علي وسادتي تلك ومصافحة عيناي تلك الجدران التي تُخبر عني لقد كنت هنا وعشت هنا لم يكن خياري .لكن العودة قراري واختياري أنا .....

كانت البداية قبل مولدي حين اتفقا العاشقان علي الوقوف ضد كل ما يمنع اجتماعهما ..قالت جدتي لي يوم:- لقد أحب أبويك أحدهما الأخر حبا جنونيا..وكان هذا الجنون ما جعلني أتردد في الموافقة علي زواجهما .فالجنون يا فتاتي يصيب الإنسان فجأة ويمكن أن يبرأ منه فجأة ..لكن جنونهما لم يتوقف حتى تزوجا في شقة تملكتها أمي ضمن ميراثها من جدي ..كانت خالية من الأثاث الغير ضروري لكن بمرور الأيام أكتمل العش الصغير وتحول لبيت مكتمل يضم في جنابته طفلة صغيرة هي أنا ..ويبدو إن اكتماله لم يستهلك وقتا ومجهودا ومال فقط لقد استهلك هذا الشغف والجنون أيضا . فبدأت نيران الخلافات تشعله ورياح المشاكل تعصف به .
.وفي غمرة أحد نوبات غضب أمي
أعلنت أنها مالكة هذا البيت وملكته وتهدم البيت علي رأسي أنا.. رحل أبي وتزوج بآخري لن تجرح كرامته يوما لأنه سيمتلك بيته ولن يسمح لامرأة مهما كان يحبها أن تهينه .وبقيت أنا وأمي قي بقايا المنزل أو ما تبقي منه...
لم تستطع أمي أن تعيد علاقتها شبه المقطوعة بجدتي خشية أن تري في عينيها –كنت أتوقع هذا-

أنجب أبي أخي الغير شقيق ماجد .عندها قررت أمي أن تتزوج ..وتعودت بعدها أن كل قرار من أحدهما يتبعه قرار من الأخر وأنا من تتقاذفه الأمواج.. فانتقلت للعيش مع أبي ثم مع أمي ثم مع أبي ....ثم ..وثم
ترضي عن زوجة أبي قليل .فتتذكرني أمي فجأة فتنغص علي أبي وزوجته حياتهما .ولا تهدأ حتى يرسلني أبي اقضي بعض الوقت معها .فتنقلب حياتها جحيما لأن وجودي يذكر زوجها بعجزه عن الإنجاب...

حتى ألقت بي الأمواج علي باب هذه الشقة . أحمل حقيبتي بصحبة خالي الوحيد وقفت أخشي التقدم كما أخشي التراجع .لم يكن لدي خيار هكذا كانت حياتي .مكابرة وعناد ..وإجبار
نادتني جدتي من الداخل لكنني لم أتبين صوتها حين طغت دموعي علي مسامعي .أيقظني صوت يأتي من خلفي وهمهمة بدت وكأنها ألقاء تحية ومن بين نهر يعرف مجراه المعتاد من عيناي إلي وجناتي رأيت أول سكان هذا العالم الجديد بدا كشبح طويل بلا ملامح ارتعدت لرؤيته فلقد رآني وأنا متلبسة بجرم البكاء .رأي ضعفي الذي أخفيه وأخافه..وكما يتصرف الخائف الوحيد جريت علي مخبأ أمن إلي الباب المفتوح لتتلقفني زراعا جدتي
..ومن زراعها ودون كلمة واحدة إلي غرفتي هذه .كانت غريبة علي ذات ألوان هادئة تبعث الراحة في النفس .ألقيت بنفسي علي الفراش وتكورت كجنين وتمنيت لحظتها لو أنني لم أولد قط



تنبهت علي صوت جدتي يختلط بصوت أذان الفجر القادم من المسجد القريب ..
سارة ..استيقظي حتى لا تفوتك صلاة الفجر
أدركت عندها أنني غرقت في نوم عميق دون أن أبدل ملابسي أو أخلع حذائي
لابد أن جدتي هي من دثرتني بهذا الغطاء الثقيل فأنا غير معتادة علي الأغطية الثقيلة..لكن فكرة أنها من خلعت حذائي وأنا نائمة أصابتني بإحراج كبير ..مما جعلني أتفادي النظر إليها .فقمت متثاقلة لكي أتوضئ .وعندما عدت إلي غرفتي وجدت علي سريري رداء فضفاض مناسب لأداء الصلاة. بعد الصلاة وعودة خالي من المسجد جلسنا لتناول الإفطار.بعدها بقليل حمل خالي حقائبه عائدا للقاهرة حيث أولاده وزوجته .موصيا كلانا بالأخرى

قالت لي أمي عن جدتي أنها صارمة وقاسية لا تسامح من يخالفها لم أري قسوة أو صرامة حتى الآن . وأن رأيت فلا خيار لدي سوي البقاء هنا ..هذا خياري الأخير
.وكأنني تعجلت جدتي أو كأنها سمعت حديث نفسي .فبينما أتوكأ علي النافذة الوحيدة في الغرفة أتابع صاحبة الكشك المقابل للمنزل وابنتها في طقوسهم الصباحية . يتخلصون من الصناديق البالية ويلقون بالأشياء الغير ضرورية في صندوق القمامةو تملكتني رغبة في مشاركتهما ولو بإلقاء همومي ومخاوفي في ذات الصندوق.
طرقت جدتي باب الغرفة ثم دخلت دون أن تبدو مني ممانعة أو سماح بهذا الاقتحام الروتيني.. نظرت إلي وأنا واقفة بالقرب من النافذة في رداء الصلاة الفضفاض ثم نظرت إلي حقيبة ملابسي التي مازالت قابعة في الركن منذ المساء

- لقد نمت البارحة بثيابك ..هذا ينافي قواعد المنزل ..رتبي ملابسك الآن وسوف نتحدث عن القواعد فيما بعد
استغرقت ما يقرب من ساعة وأكثر في ترتيب ملابسي القليلة ولا أدري كيف عرفت جدتي أنني انتهيت . وبنفس الطرقات وذات الاقتحام عادت إلي الغرفة ...تجمدت في مكاني وأنا في انتظار إن تبدأ حديثها ..لكنها تقدمت إلي وأمست بكتفي متوجها بي إلي المرآة ..وبمجرد انعكاس وجهي عليها نكست رأسي دون أن أدري لماذا؟
قالت جدتي هل تنظرين لنفسك في المرآة ..ولم تنتظر جوابا ...بل أجابت نفسها نافية ..لا أعتقد ..
وتحول صوتها لشلال دافئ أزال تجمدي شيء فشيء ..لا أحد يرغب بنيتي في رؤية وجه عابس أو حزين ..الحزن ينفر الناس لكن السرور يجذبهم هذه طبيعة البشر
........لم أدري بماذا أجيبها .واختلست نظرة إلي المرآة لأري تلك الدمعة الأسيرة ..في أقامتها الإجبارية. ألمتني ملاحظة جدتي وتحررت دموعي رغما عني...أخرجت جدتي من جيبها قطعتين من الحلوى .ووضعت في فمي أحداها وتناولت هي الأخرى ..وتابعت حديثها أنا الأحزان لا تختفي من طلقاء نفسها يجب علينا أن نطردها هكذا علمني والدي كلما أحزني شيء أهداني قطعة من السكر النبات .أن أمر الإحزان و أسوأها يمكن أن تقضي عليها قطعة حلوي لو أردنا ..وطبعة قبلة حارة علي جبيني .ولأول مرة أشعر في حاجتي إلي أن أضم أحدا إلي صدري .وجفت دموعي من تلقاء نفسها.ابتسمت جدتي – الآن نتحدث عن قواعد المنزل


يتبع




تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مــواسم المطــر ...(5) ..قوس المطر

عداء الطائرة الورقية