تــوحــة

في بدايته يشبه اليوم كثير من أيام نهاية موسم الصيف حينما يقل الزحام تدريجيا ويبدو الجو أقل حرارة مما يشجع الناس علي الخروج من منازلهم ليستمتعوا بنسمة هواء مع غروب شمس ذلك اليوم . لكن بالنسبة لها لم يكن يوما اعتياديا فتوحة ستحصل اليوم علي مبلغ كبير يمكنها أن تمتنع عن بيع الذرة المشوي علي الكورنيش، وتستبدل مهنتها الموسمية بأخرى دائمة عندما تشتري نصبة الشاي من الريس جمال الذي وعدها بمكان في المدينة الصناعية لتتمكن من بيع الشاي للعمال هناك، ويتبقي مبلغ أكثر من كافي لدفع تأمين عقد الإيجار الحديث، لتترك غرفة السطوح ودورة المياه المشتركة وتنتقل لشقة صغيرة لها وحدها مبتعدة عن جميع مشاكلها اليوم تنتهي مرحلة من حياتها وتبدأ مرحلة مختلفة. لم تمل توحــة من السؤال علي الساعة . وفي كل مرة يأتيها رد حودة عامل الجراج ..بأن الموعد لم يحن بعد وأن جابر.. لم يتأخر عن موعده.. لكن تكرر سؤالها دفعه لأن يسألها لماذا لم تذهب إليه هي؟؟ أو تنتظره في منزلها القريب من منزله؟؟ لكن شعور توحة بأنها تود أن تنتهي من بيع أخر حبات الذرة كيوم وداع أخير كبائعة ذرة، و امتناعها عن استقبال أي أغراب في حجرتها التي تقيم فيها وحيدة بعد وفاة والدها وانفصالها عن زوجها لانعدام الأمل أن تأتي له بمولود جعل مرور جابر عليها في حجرتها أمر مستحيلا. ناولت توحة أخر حبة ذرة لطفل صغير أبتسم في سعادة جعلتها كمن أمتلك الدنيا بما فيها. وأخذت تتبعها ببصرها لا تشعر غير بسعادته. لم يمنعها عن متابعته غير صوت جابر الذي أتي بنقود الجمعية، فأخذت تحصيها في سعادة حتى توقف السير فجأة في الشارع علي صوت صرخات وعجلات سيارة مسرعة بعد مصادمة خطيرة.. سارع الجميع لمكان الحادث القريب لتري توحة والدة الطفل الصغير ممدة علي الأرض لا تستطيع حراكا اقترح الجمع اصطحاب المصابة إلي المستشفي القريب من المكان عن طريق سيارة أحدهم وعندما وصلت توحة مع بعض الناس وجدوا الوالد يملأ المدخل صراخا فالمستشفي ليست علي استعداد لأن تستقبل المصابة دون مبلغ التأمين . وجدت توحة نفسها تخرج ما معها من نقود وتدفع بهم لموظف الاستقبال ثم تتسلل خارجة عندما أتى الموظف للوالد بالإيصال وأشار إلي ناحية باب الخروج هرع الوالد ليري من قام بالدفع نيابة عنهم لكنه وجد تـوحة قد اختفت تماما وهو لا يدري هل يعود أدراجه إلي الداخل أم يكمل خطواته بحثا عن السيدة المجهولة . لكنه لمح ظل يتحرك في أحد الأزقة القريبة فسارع إليها ليجد عامل الجراج وقد أمسك بمدية محاولا أخراج النقود منها وهي تقسم أنها لا تملك أي نقود.. لم يدري الوالد ماذا يفعل لكن ارتباك اليد المهددة كان أسرع فهرع حودة هاربا بعد أن أصاب توحة بطعنة غادرة غائرة وتعال صوت الوالد مرة أخري باحثا عن استجابة سريعة من طبيب قريب لكن استجابة توحة كانت أسرع لقد ذهبت إلي حيث لا تحتاج إلي مبلغ تأمين تمت

تعليقات

  1. أول كومنت :)

    قصة بسيطة و جميلة جدا
    حملت اجمل المعاني "التضحية" و أبشعها "الجشع" في نفس الوقت


    تحياتي

    محمد
    :)

    ردحذف
  2. شكرا يا محمد سعيدةبتعليقك
    ,اتمني أقرالك قريب جدا

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مــواسم المطــر ...(5) ..قوس المطر

عداء الطائرة الورقية