مواسمـ المطــــــــر .........(3)..؟

أشارت ساعة الحائط إلي اقتراب وقت الغروب. وبرغم إدراكي أن الجو غائم .أمسكت بفنجان الشاي الساخن واقتربت من النافذة, وأبعدت الستائر الثقيلة باحثة عن مشهد خالد وساحر حين يختلط الضوء بدرجات الأحمر المتوهج والبرتقالي الدافئ والأصفر المبهج. ولم يدهشني غياب الألوان والضوء في مثل هذا الطقس،، لكن مشهد الشمس وهي تختنق تحت هذه السحب الكثيفة رمادية اللون أشعرني أنا أيضا بالاختناق فأخذت نفسا عميقا لأتأكد من قدرتي علي التنفس و أشحت بوجهي إلي الداخل فأحسست إن الجدران تقترب وتضيق ولم يجدي نفسا عميقا لمعالجة هذا الشعور مرة أخري.
فأسدلت الستائر لتحجب عني هذا المشهد الكئيب. وألقيت بنفسي علي المقعد القريب مغمضة العين مستسلمة لاهتزازات المقعد الرتيبة ومحاولة الاسترخاء هربا من هذا الشعور الخانق. لماذا يري الناس في فصل الشتاء هذا الغموض والسحر والبهجة ،، أنا لا أري فيه أي بهجة .بل أراه موسما الخمول والاستكانة والشعور بالوحدة موسما لا شيء.. سوي اللجوء للغرف الدافئة والمشروبات الساخنة والاسترخاء تحت الأغطية الثقيلة .
كانت أ فكاري تقودني لمزيد من الاختناق الذي عالجته بزيادة اهتزاز الكرسي حتى تغلب شعوري بالدوار علي اختناقي المزعوم. أي شيء تغير؟؟ أي جديدا جعلني في هذا المزاج الحاد اليوم ؟؟ ..بل أي شيء لم يجد؟؟ وأي شيء لم يحدث؟؟ ...هكذا أجبت نفسي وأقنعتها ...فما كان منها إلا الصمت .. وبقي أن أعالج شعوري الغامض هذا. ماذا كنت أفعل في مثل هذا الوقت ؟؟... لا أتذكر، أن الشتاء كان يصيبني بالاختناق قبل الآن ربما كنت أشعر بالوحدة و الملل لبقائي داخل جدران المنزل فأخرج قصة، أو أشاهد فيلما وأنا أحتسي مشروب دافئا. الشاي الساخن موجود فلماذا لا آتي بقصة تشغلني بعض الوقت ؟؟!!
كانت مكتبتنا مليئة بالعديد من الكتب والقصص يمكنها أن تبقي أي شخص منشغلا أعوام. وليس فقط لليلة مطيرة باردة .فتناولت أول قصة علي الرف و ابتعدت عن الكرسي الهزاز هذه المرة،، واختارت الكرسي الضخم المريح في الركن البعيد عن النافذة . كنت قد قرأت القصة مرات  سابقة.ومع ذلك قررت إعادة قرأتها فلا أريد إن أقرأ قصة جديدة لا اعلم أحداثها وربما زادتني اختناق.
ساعدتني القصة علي نسيان هذا الشعور المقيت. بل كدت أغفو وأنا أقرأها بعد أن ذهب هذا الشعور نهائيا.. إلا أن تغيير الموسيقي المنبعثة من الغرفة المجاورة أيقظني و تنبهت لوجودي علي هذا الكرسي في صالة المنزل .
.....نظرت باتجاه باب الغرفة وكأني أتنبه لوجوده لقد نسيت انه هنا..ومازال يعمل علي تمثاله الرخامي الجديد .. من هو..؟؟ هو زوجي!! .. نعم زوجي ذلك الفارس الذي خرج يوما من قصة كتلك مترجلا عن فرسه الخيالي ليخطو نحوي في عالم الواقع. فأنا أمرآة واقعية جدا..لا يربطني يدنيا الخيال إلا تلك القصص التي لا الجأ إليه إلا في ليالي الشتاء الطويلة.أما زوجي فهو رجل رومانسي ،، فنان مبدع -كما يقولون- تحتل أعماله أماكن مميزة في متاحف الفن الحديث وقاعات العرض الفنية الشهيرة . في بداية ارتبطنا جاءت التحذيرات من كل المحيطين بنا.. كان التناقض واضحا ومثير للاهتمام أو هكذا كان. ولا أدري ماذا تغير؟؟ أصبحت أكثر رومانسية وأصبح زوجي الرجل الأكثر واقعية علي وجه الأرض. يقضي ساعتها مع تماثيله يحدثها ويشكلها حتى انه يتناول طعامه برفقتها. تنبهت علي صوت المطر الشديد ولا أدري لما ارتعدت فجأة؟ . ذهبت لإحضار غطاء من غرفة النوم ومررت به في طريقي فلم ينتبه. فتعمدت أن أقف بالباب في طريق عودتي.. لكنه لم يتنبه أيضا كان منهمكا في صنع تمثاله الجديد. قررت أن أحدثه في أي شيء - أنا ذاهبة لاستكمال قصة أقرائها وأنت ذاهب للنوم تأكد من أنني لم اغفوا أثناء القراءة لم يجيبني بل هز رأسه موافقا حاولت أن أستكمل قراءة القصة لكنني لم أستطيع.!لم تعد أحداث القصة تشغل تفكيري سؤال واحد أحتل كل حواسي يا تري ماذا سر تغيره؟؟!! لو لم أكن اعلم مدي إخلاصه لزعمت أن هناك أخري. تمنيت لو إنني غفوت وجاء ليقظتي أو ترك تمثاله دقائق وجاء يحدثني .. حاولت العودة للقراءة دون جدوى ...حتى غلبني النوم هذه المرة.
لا ادري لكم من الوقت كنت نائمة لكن القصة سقطت من يدي فاستيقظت . كانت الموسيقي لا تزال منبعثة من الغرفة لكن الوقت كان متأخرا. قررت الذهاب إلي غرفتي وربما أقنعت زوجي إن يأوي إلي الفراش فقد تأخر الوقت.. لكنني لم أجده هناك.. هل ذهب للنوم دون إن يوقظني؟؟!! . لكن سيجارته مشتعلة.
 توجهت إلي غرفتنا ابحث عنه وقبل أن أصل جاء صوته خافتا.كان يتحدث هاتفيا مع شخص ما .ولأني لا أسمح  لنفسي بالتصنت عليه وأجد هذا مشينا.. قررت أن أعود إلي غرفته متعللة بأن علي إطفاء السيجارة المشتعلة ولم أكن أرغب إلي في إطفاء فضولي الأنثوي. وقفت بجوار التمثال أتفحصه كان لمرآة تقف في وجه عاصفة هكذا خيل لي من نظراتها وتناثر خصلات شعرها تفحصت التمثال مرة أخري وعند القاعدة وجدت ما أبحث عنه.
إلي ملهمتي لا شيء يباريك جمالا .
هكذا أذن ؟؟ تمثال جديد وملهمة جديدة...يشبه كثيرا تمثال صنعه لي في فترة خطوبتنا .
 لم استطع أن ابقي بجور هذا التمثال المرمري أكثر من هذا .
عدت إلي الصالة وأنا أشعر بجدران المنزل تلاحقني .فتحت جميع النوافذ في طريقي دون جدوى ...أنا أختنق ..أختنق وبرغم كل تيارات الهواء التي هاجمت منزلنا لم يذهب شعوري بالاختناق ولا جاء هو ليراني ..

الوقت الآن مناسب للخروج من المنزل ..ربما مبكرا في فصل الشتاء ..لكنني أريد أن أرحل قبل أن يستيقظ ..في حقيقة الأمر لم أرغب في رؤيته مجددا .لكنني تمنيت لو أستطيع رؤية ملامحه حين يدخل لغرفته ويري تمثاله محطما وبجواره رسالتي الأخيرة إليه " حطمت تمثالك المرمري ..فأبقي معه" خارج باب المنزل كانت الشمس تشرق من جديد


تمت

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مــواسم المطــر ...(5) ..قوس المطر

عداء الطائرة الورقية