مــواسم المطــر ...(5) ..قوس المطر

ملأتني الدهشة حين رأيته مرسوما علي صفحات  العدد الجديد من مجلتي .حملتها وذهبت إلي أبي الذي يعرف أسماء كل الأشياء كي يعرفني عليه.

نظر أبي إلي من وراء نظراته الطبية ووضع جريدته جانبا وبدا عليه الضيق لأنني قاطعته . وظهر غضبه حين عرف سر مقاطعتي له ..
- ماذا  كُتب تحت الصورة ؟؟
- قوس ..ق ز ح …قوس قزح ..قزح!!
- نعم هذا أسمه
-  أين هذا القوس يا أبي؟؟
- ليس في مكان معين . هو في كل مكان في الأرض...يأتي مع المطر
- لماذا لا يأتي عندنا أذن كي نلتقط معه الصور ..كتلك الصورة الرائعة ..هل يمكن أن يكون في مدينة الملاهي  ..تعجبني ألوانه كثيرا ..هل هو في السيرك يا أبي؟؟

أستبد الضيق بأبي وربما هو من أستدعي أمي لتأتي وتأخذني بعيدا عنه.لتحكي لي عن قوس قزح وكيف يتكون ومن أين يأتي وكيف ..لم أفهم شيئا مما قالته ولم  أقتنع بأن الضوء ينكسر .
وأن كان الضوء ينكسر فلماذا الأبيض هو الذي ينكسر؟؟!! لاحظت أمي ضيقي وانصرفي عن ما تشرحه ..فأرسلتني لجدتي وكأنني عبء .تتخلص منه.

طرقت باب غرفتها التي لا تخرج منها في الأيام الأخيرة إلا نادرا. كانت تعرف متى يتكدر مزاجي . نظرة من عينيها تكشف أسراري وما أخفيه.
- ما ذا فعلت صغيرتي اليوم ؟؟
- لاشيء
- ولماذا أنت غاضبة أذن؟؟
- جدتي هل يمكن أن نغير أسم قوس قزح
- لماذا؟؟
- لا يعجبني هذا الاسم ..قزح ..أنا أحبه منذ رأيت صورته في مجلتي ..لكنني لا يروقني الاسم
- ماذا تريدين أن تسميه أذن ؟؟
- لا أدري ..مممم هو يأتي مع المطر لنسميه قوس المطر
-نسميه قوس المطر
- جدتــي ..هناك شيئا أخر يزعجني
- وما هو صغيرتي ؟؟
- لماذا ينكسر الأبيض يا جدتي ..أنا أحب الضوء الأبيض ولا أريد له أن ينكسر
ضمتني إلي صدرها ومسحت علي رأسي ووجهي ثم   استقرت يديها فوق صدري وهي تهمس في أذني...الأبيض لا ينكسر صغيرتي..لا ينكسر أبدا
انكمشت بجوارها و قد دفنت رأسي في صدرها
- جدتي متى يأتي قوس المطر ..أريد أن ألعب معه؟؟
-كل شيء في وقته بنيتي ...وكل شيء في وقته جميل

مرت السنوات وأنا انتظر أن يأتي قوس المطر لكنه لم يجيء أبدا . ومع أنني رأيت الضوء الأبيض ينكسر في حجرة العلوم بالمدرسة لكنني أصدق جدتي التي قالت ذات يوم أن الأبيض لا ينكسر
.
وكلما اشتكيت لها جرح أو غدر مسحت علي رأسي ووجهي واستقرت يديها فوق صدري وهي تهمس  الأبيض لا ينكسر . حتى أصبحت أخفي عليها كسرات القلب لأبرهن لها أن قلبي أبيض بما يكفي
. لكنني كنت أشعر دوما أنها تعرف..حتى بعد رحيلها كنت أراها أمامي تبتسم وتنظر لي نظرتها الثاقبة تلك.

كل شيء في وقته بنيتي ..وكل شيء في وقته جميل ..-

تحركت الحافلة غربا لتخرج من المدينة. وسطعت الشمس فجأة بين السحاب الرمادي وانشغل الجميع في أحاديث جانبيه حين ظهر ..أخيرا قوس المطر ..قوس مطري . ورأيتها هناك كانت تبتسم ..لكنني أخرجت صورتها من حقيبتي ..ومسحتها بيدي ثم ضممتها إلي صدري
أدركت لحظتها أن الأبيض ينكسر  الأبيض ينكسر يا جدتي.. وإلا كيف نري قوس المطر.



 تمت

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

عداء الطائرة الورقية