" عمر "

العشر الأوخر من رمضان 1432 هجريا
أوشكت عقارب الساعة إن تلتقي عند رقم "12" معلنة منتصف الليل ، تنشط الصفوف الخاملة التى كانت تراقب حركة الوقت في تراخي ، بينما تتزايد أعداد الوافدات إلي خيمة النساء بحثا عن مكان خالي فتتعالى الأصوات كثيرا و تتلاشى نادرا ، حتى يأتينا الصوت الخفيض "استوا" فنهب من فورنا متأهبات لبدء صلاة التهجد حريصات علي استواء الصف وسد الفرج إلا من مساحة صغيرة خالية بيني وبين صديقتي التى تجاورني في الصف قد تتبدل الصديقة مع اختلاف الليالي لكن تبقى المساحة الصغيرة في انتظار صاحبها الذي لا يتبدل و لا يتغير فقط تأخر الليلة قليلا .
توشك الركعة الأولى أن تنقضي و نحاول إن نقلل المساحة فيما بيننا حرصا علي استواء الصف ، ومع بداية الركعة الثانية نشعر بيد صغيرة توسع لها مكانا فيما بيننا ، دون أن يلتفت لأحد أو يحدث ضجيجا واقف في خشوع وهدوء يطول الوقوف بنا و نرى من المصليات من جلسن تعبا و

أرهاق لكنه يبقى واقفا لا يلتفت إلي لهو بعض الصغار في الممر الموجود بين الصفوف ولا يحدث حركة من شأنها تشتيت انتباه المصليات ،
يسلم الأمام فلا يزيد ترحبيا بالصغير عن الابتسامات والمسح علي رأسه فليس هناك من سبيل لأكثر من هذا فيما بين الركعات بعد انتهاء الركعات الأربع الأولى يأتي الترحاب الحقيقي في جلسة الأستراحة أقبل رأس صغيري وأضمه إلي صدري سعيدة بكلمات التشجيع التى يسمعها كأنه ابن لي ، اسأله في سعادة " بتدعيلي يا عمر " فيهز رأسه بالأيجاب "بس أنتي كمان تدعيلي "
في الليالي التى يأتي فيها مبكرا أشدد عليه بأن لاينساني في دعائه وأحيانا أخبره أن يدخر دعوته لمن أخبره عنهم فلا يتردد بأن يدعو لي ولمن اهتم بأمرهم أيضا ،
تنتهى الصلاة التى يختمها الشيخ بدعاء القنوت فيسارع "عمر " بالتخفيف عني لأنه يتخيل أنني أبكي ألما أو حزنا
تتوالى الليالي التي نظن إنها لن تنقضي وفي أخر ليالي التهجد ينفلت عمر من بين يدي ومن خلال الزحام أرى يده الصغيرة تلوح لي و قد أمسكت أمه بيده الآخرى ، أدرك الأن أنني لن أري عمر مرة أخرى أنا لا أعرف عنه شيئا فقد تطوعت بأفساح مكان له بيننا في أحد الليالي وأمانتنا أمه عليه ، أسمه عمر في بداية دراسته الأبتدائية ، لا أدري ما اسم عائلته أو أخته أو أمه ، فقط أسمه وبرغم هذا لا أنساه أبدا ، لا أنسي ابتسامته لي عطفه علي طاعته لكلامي ،كل ما أملكه له بضع صور التقطها له في ليلة جاء فيها مبكرا ،
كلما تأملت صورته ألح علي السؤال ترى هل يتذكر عمر صديقته الكبيرة سنا ؟؟ هل مازال يدعو لي هل سأراه يوما وهل سيتعرف أحدنا على الأخر ؟؟ كثيرا من الاسئلة تأتي اجابتها مرة واحدة حين يأتي عمر باحثا عني في أول ليالي رمضان ومعه أمه .

تعليقات

  1. الله عليكي يا وفاء / حرفـك كله عذوبة ورقـة .. حكاءة أنتى من طراز فريد يا صديقتـى

    :)

    ردحذف
  2. عين الصديق وقلبه حين تقرأ يزيد الحرف جمالا :-)

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مــواسم المطــر ...(5) ..قوس المطر

عداء الطائرة الورقية