سَكــر ♥نَبــــــات........الْحَلْقَة السابعة

حاصرني شعور بالافتقاد بمجرد أن أغلقت باب غرفتي.. وأن غيرتني الأيام الماضية كثيرا , لكن مواجهتي للحصار إي كان نوعه كانت واحدة , فلجأت إلي فراشي أحاول تناسي هذا الشعور الوافد علي حياتي..
لكنني لم استطيع النوم برغم إحساسي الشديد بالإرهاق ...جذبتني الأصوات خارج الغرفة لكنها لم تغضبني كالعادة ..شعرت بحاجتي للصحبة..للضجيج..فانضممت لجدتي مرحبة بجيرانها اللذين أتوا في مظاهرة اشتياق وترحيب بعودتها. ..تمنيت أن أتمتع بهذا القدر من الحب والمكانة التي لدي جدتي ..كانت صورتنا معا تزين جدار الصالة شعرت بالفخر لأني أنتمي لتلك السيدة المحبوبة ..وقررت أن أحتذي بها قدر أمكاني ..

قررت أن أعوض ما فوته أثناء أقامتي مع عائلة خالي ..فقد انقطعت عن الذهاب لمركز الدروس الخصوصية ..ومع اقتراب العام الدراسي فرضت جدتي قواعد أكثر صرامة وتقلصت ساعات مشاهدة التلفزيون تدريجيا ..ثم خيرتني بين مشاهدته واستخدام الكمبيوتر فاخترت الكمبيوتر طبعا لأبقي علي اتصال بزياد ومروان ..الذي خاب ظني لعدم اتصاله بي ...لكن ذلك لم يقلل من امتناني لهديته , فامتلاكي هاتف خاص بي ضاعف من مرات اتصال أبي بي ..وجعلني علي اتصال أكثر بأخي الصغير ماجد الذي لا يخفف من غيابه عني سوى وجود صغيرتي سلوى ..

في أحدي زياراتى لأبي فجاءني بحضور صديقتي المقربة وربما الوحيدة سماء ..كانت سماء تسافر مع عائلتها كل أجازة صيفية إلي دبي حيث يعمل والدها ..لكنها حضرت مبكرا هذا العام لتستعد لعامنا الأخير في المرحلة الثانوية ..كانت أمنيتنا أن نلتحق بكلية الفنون الجميلة معا ..اقترحت علي سماء أن تطلب من والدتها الذهاب لنفس مركز الدروس الخصوصية معي ..

أصبحت سماء تأتي لزيارتي مرات عديدة وخفف وجودها عني كثيرا ..لكن جدتي رفضت أن أرد لها الزيارة ..خشيت أن ألح عليها فتعترض علي زيارة سماء أيضا..

مع بداية العام الدراسي أصبحت رؤيتي لسلوى شبه معدومة فقد كانت مدرستي بعيدة جدا عن بيت جدتي ...فرغم تنقلي الدائم كانت مدرستي المكان الوحيد الثابت ..كنت أستيقظ مبكرا وأعود مرهقة أستريح قليل ..أذهب للدرس ثم أنفق ما تبقي من اليوم في الاستذكار والمراجعة ..كنت أستكمل ذات المارثون الذي بدأ دون نهاية للعام الثاني علي التوالي , لم يكن الإرهاق بالشيء الجديد علي ..لكن أزعجني ما تعانيه جدتي من تعب وهي تصر علي رعايتي وملازمتي حتى أثناء سهري لساعات متأخره ليلا...طلبت منها أن تستريح لكنها أبت أن تستجيب و بدأت صحتها تتأثربعد عدة أسابيع..أذعنت لطلب السيدة أمينة وتركت مهمة رعايتي لها..لم تكن علاقتنا تحسنت بالقدر الكافي لكنني وافقت من أجل صحة جدتي ..لكن عندما اقترحت السيدة أمينة أن يساعدني أدهم في مذاكرة بعض المواد ليوفر علي الذهاب لمركز الدروس الخصوصية رفضت بشكل قاطع ..وبدا الرفض غير مقنع لجدتي ..فقد أنهي أدهم دراسته بكلية العلوم وهذه هي سنته الأولي كمعيد بنفس الكلية ..كان بإمكانه مساعدتي في المواد العلمية ويوفر علي وقت وجهد وأنا فى اشد الحاجه لكليهما
وافقت علي اقتراح السيدة أمينة علي إن تأتي سماء أيضا ليشرح لكلينا ..كان طلباً يخلو من الذوق.. لكنني لم أجد حرج منه , فوجود سماء سوف يخفف من تأثير وجود أدهم ..

تغير نظامي قليلا فتخليت عن حضور بعض الدروس واكتفيت بمساعدة أدهم ..كانت سماء لا تنتظم في الحضور لبعد المسافة بين منزلها ومنزل جدتي ..فكان أدهم يتفرغ يوم الأجازة و يعيد مراجعة ما شرحه لنا ..أما السيدة أمينة فكانت ترعاني أكثر من أمي وربما أكثر من جدتي ..فقد منحت وقتها كله لنا –أنا وجدتي- كانت لا تغادر شقتنا إلا عندما تتأكد أنني ذهبت للنوم وتناولت عشائي الذي تحضره هي ..جعلتني طريقة تعاملهما معي هي وأدهم أفكر في حديثي أنا ومروان عنهما.. هما طيبان حقاَ, فما الذي يجبرهما علي رعايتي والاهتمام بي غير حبهما لجدتي ..فأنا لم أعاملهما يوما معاملة جيدة أو علي أقل تقدير كنت أتجنبهما وأبدي انزعاج من وجودهما ..أخذت أتقرب قليلا من السيدة أمينة وأتبادل معها الأحاديث حول أحلامي ومستقبلي لكنني كنت اشعر بحرج من أدهم وخاصة بعد تجاهلي له حين أراد محادثتي...فكانت علاقتي به تسير ببطء شديد ....واكتفيت بتوطيد علاقتي مع والدته..التي مازالت تثير حيرتي في بعض تصرفاتها ..ولا أخفي فضولي لمعرفة سر شعرت أنها تخبئه خاصة بحياتها الشخصية ..فهي لا تتحدث إلا عن ابنتها المتزوجة حديثا وولدها ..ولا تأتي علي ذكر زوجها أبدا..
ذات مساء وبعد انصراف جدتي للنوم مبكرا ..وجدتها فرصة للحديث معها قليلا .وتعللت بإصابتي بالملل من المذاكرة..وأخذت أشكرها علي رعايتي والاهتمام بي وبجدتي من قبل ..لكنها قالت أن هذا يسعدها فهي تعتبر جدتي بمثابة أم لها وهي بالفعل تذكرها بوالدتها عليها رحمة الله وجدتي هي الشخص الوحيد الذي يحدثها عن أبويها ويذكرها بهما.. لم أكن أعرف أن جدتي تعرف أبويها

- و هل كانت جدتي تعرفهما؟؟
- كنا جيران ..لقد تزوج والداي وولدت في نفس الشقة التي أعيش فيها
- هل كنت صديقة لأمي أذن؟؟
- أتذكر أيام الطفولة فقط ..فلقد انتقلت لمنزل عمي بعد وفاة أبواي رحمهما الله
- الله يرحمهما
- ثم تزوجت ابن عمي وقضيت في السعودية ثلاث أعوام أنجبت ريهام وأدهم وعدت إلي شقتنا ثانيا ..ومنذ عودتي وجدتك هي أمي وعائلتي ...
- هل تذهبون في الأجازة إلي السعودية؟؟
- ولماذا نذهب؟؟
- لزيارة زوجك ..أم هل يحضر هو
- لا هو من يحضر
- لكنني لم أراه هذا العام
- هو لا يحضر كل عام
كان ردها المقتضب يثير فضولي أكثر
- أذن فقد احببتي ابن عمك أثناء أقامتك عندهم
لمعت عينها لا أدري دموعا كانت أم ألم لكنها لم تكن سعادة مطلقا
- سأخبرك يا سارة لتكفي عن أسألتك...لقد توفي والدي وأنا صغيرة جدا ..كان عمري عشر سنوات ...كنت تحت وصاية عمي فانتقلت من الإسكندرية لبلدة والدي في الصعيد .كان عمي يحسن معاملتي جدا وأحببته كأنه أبي لكن حين أقترب موعد استلام ميراثي ..استدعي ابنه الوحيد المتزوج وزوجني منه ..خشيت أن يخرج الميراث من العائلة ..أم زوجي فتعامل مع الأمر علي أنه طاعة لوالده ..لم يغضبني يوما ولم يسعدني أيضا ..كان يحب زوجته الأولي جدا وشعرت أن ثلاثتنا ضحايا لعمي لكنني لم أستطيع كراهيته و لو كان طلب مني التنازل عن ميراثي لفعلت..و بعد إنجابي أدهم الذي أصبح الوريث الشرعي لي انتهت مهمة زوجي ..وطالبته زوجته أن أعود إلي مصر فرجوته أن أعود لشقة والدي هنا ولا أعود مرة أخري لمنزل عمي ..كنت أخشي أن يأتي يوما تشتد فيه معاناتي فتتغلب علي الكراهية حين أري عمي أمامي..لم يكن لي أحد سوى جدتك ..وأطفالي طبعا هي من ساعدتني علي تربيتهما .. وعلمتني أن الحب هو خير دواء شافي

لم أدري هل شعرت بالشفقة عليها أم الغضب من هذا التسامح الغريب ..لقد سرقت ..ليس فقط ميراثها لكن عمرها سَرق أيضا ..لماذا لم ترفض أو تثور ؟؟ هل تخدعني هذه السيدة أم تظنني حمقاء !!؟ ..هل يمكن أن تكون هذه القصة حقيقة ؟؟ ....لكن لماذا ستكذب علي؟؟

- هل تعرفي يا سارة ربما كانت موافقتي علي الزواج خطأ لكنني أفضل التعامل معه علي أنه درس تعلمت منه الكثير
- وهل يجب أن نخطئ أو نتنازل لنتعلم الدروس..؟؟
- لا بالطبع ..يمكننا التعلم من أخطاء الآخرين يا صغيرتي...لكن لا يجب أن نوقف حياتنا ونستمر في جلد أنفسنا علي أخطاء الماضي فغدا أهم وأولي بالاهتمام
- وهل تفعلين أنت ذلك ..أي غد هذا وأنتِ تنازلتِ عن حقك وأرضك وميراثك وزوجك أيضا
- لو كنت اهتم بهم ما تنازلت عنهم ..أنا لا أهتم سوى بأبنائي..هم الغد بالنسبة لي , لقد قررت منذ زمن ما أريد وما سأحارب من أجله .


يتبع

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مــواسم المطــر ...(5) ..قوس المطر

عداء الطائرة الورقية